قوات سوريا الديمقراطية- من حليف إلى "ضيف ثقيل" في سوريا الجديدة

المؤلف: رامي الخليفة العلي10.27.2025
قوات سوريا الديمقراطية- من حليف إلى "ضيف ثقيل" في سوريا الجديدة

في خضم التحولات الدراماتيكية التي تشهدها الساحة السورية، وفي ظل التطورات المتسارعة التي هزت أركان البلاد، وجدت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) نفسها في مواجهة واقع مغاير لما كانت تتوقعه، حيث تلاشت الحقائق الراسخة وتزعزت حساباتها أمام عواصف سياسية وعسكرية هوجاء. لم تكن الأيام القليلة الماضية اعتيادية، إذ فاجأ سقوط النظام السوري وهرب بشار الأسد العديد من القوى الفاعلة المحلية والإقليمية، وعلى رأسها «قسد»، التي وقفت مشدوهة بين صلابة الواقع وتقلبات استراتيجياتها المعهودة. لقد كان هجوم «عملية فجر الحرية» بقيادة فصائل الجيش الوطني بمثابة ناقوس خطر مدو، دفع «قسد» إلى الإقدام على خطوات متسارعة للسيطرة على مناطق انسحب منها الجيش السوري في ضواحي حلب، مثل الكلية العسكرية ومركز البحوث العلمية. ولكن سرعان ما تبددت هذه الهيمنة مع انكشاف التوافقات الإقليمية والدولية بين الولايات المتحدة وتركيا. لم يقتصر المشهد على انسحاب «قسد» من مواقعها الجديدة، بل بات وجودها في مناطق نفوذها التاريخية مثل الأشرفية والشيخ مقصود غير مقبول، مما اضطرها إلى الانسحاب، بينما تتقدم قوى «فجر الحرية» بخطى ثابتة نحو منبج، وسط حراك عسكري يعيد تشكيل خارطة سوريا من جديد. وفي الشرق، تتكرر القصة نفسها، حيث سيطرت «قسد» بشكل مؤقت على دير الزور بعد انسحاب قوات النظام، لكن الضغوط الأمريكية أجبرتها على الانسحاب إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات. هنا بدأت تتضح معالم المأزق الذي تواجهه «قسد»، التي كانت تعتمد على الدعم الأمريكي بشكل كامل، وأصبحت فجأة في مواجهة الحقائق المجردة. تكمن أزمة «قسد» في بعدها الديموغرافي الذي يصعب تغييره، فالمنطقة التي تهيمن عليها «قسد» منذ طرد تنظيم داعش، ذات غالبية عربية صريحة. المدن الكبرى كالرقة ودير الزور، التي يشكل فيها الأكراد نسبة ضئيلة، لطالما نظرت بعين الشك إلى هذا الوجود المفروض عليها، بينما ظلت الأغلبية الكردية محصورة في أقصى الشمال الشرقي، في مناطق القامشلي ومحيطها. إن العشائر العربية، التي عانت طويلاً من التهميش، وجدت في انهيار النظام فرصة سانحة لتوسيع نطاق خياراتها السياسية، بعد أن كان الخيار مقتصراً على «قسد» والنظام المتحالف مع الميليشيات. واليوم، ومع انبلاج فجر «سوريا جديدة»، تتجه هذه العشائر نحو الحكم العادل الذي يطمح لبناء دولة تتجاوز التقسيم الطائفي والعرقي. والجدير بالذكر أن هذه العشائر لم تكن بحاجة إلى التطورات الأخيرة لكي تعلن رفضها لسيطرة «قسد»، حيث شهدنا سابقاً ما يسمى «ثورة العشائر»، تعبيراً عن رفضها لسياسات فرضت عليها بالقوة الغاشمة.

أصبحت خيارات «قسد» ضيقة الأفق ومحفوفة بالتنازلات، فهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة للحفاظ على الوضع القائم، ولو بدفع ثمن باهظ يشمل اقتسام الثروات، وخاصة النفط، مقابل الحفاظ على مؤسساتها المستقلة وجناحها العسكري. لكن التطورات الأخيرة تؤكد أن هذا الخيار أصبح بعيد المنال، إذ أصبحت «قسد» محاطة ببيئة معادية تترقب اللحظة المناسبة لإنهاء وجودها بشكل كامل. إن الولايات المتحدة، التي كانت الملجأ الآمن لـ«قسد»، أصبحت اليوم ضمن مهندسي المشهد السوري الجديد، بما يتماشى مع التوافقات الإقليمية. أما تركيا، فهي لاعب رئيسي يدير خيوط اللعبة بمهارة عالية ويترقب ساعة الصفر للمعركة الحاسمة، سواء عبر أدواتها العسكرية المباشرة أو عبر واقع تفرضه الجغرافيا والتاريخ والتركيبة السكانية.

في الوقت الراهن، لم تعد المعركة مجرد مواجهة مع قوى فاعلة على الأرض، بل تحولت إلى معركة وجود أمام بيئة اجتماعية وسياسية ترفض استمرار هيمنة «قسد». وبين فكي كماشة المتغيرات ومطرقة الخيارات الصعبة، تدرك «قسد» أنها أصبحت «ضيفاً غير مرغوب فيه» في مدن عربية تتطلع إلى مستقبل أفضل. هي مسألة وقت لا أكثر، قبل أن تندلع معركة الحسم الكبرى. ولعل «قسد» تدرك الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن تجاهل التغيير أو التعلق بالماضي، لن يؤدي إلا إلى خسارة كل شيء.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة